
الدكتور سلمان بونعمان/ أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس
تنطلق أدوات التحليل العسكري الغربي – سواء تلك التي تصدر عن مراكز التفكير أو الأجهزة الاستخباراتية أو وسائل الإعلام – من نماذج مادية صلبة في دراسة الفعل المقاوم، فتنظر له من زاوية الإمكانيات، والعتاد، والدعم اللوجستي، متجاهلة تمامًا الأبعاد “اللامادية” التي تجعل من الظاهرة الطوفانية حدثًا استثنائيًا لا يخضع لقوانين التوازن العسكري التقليدي وميزان القوى المادية.
لا يمكن فهم طبيعة الفعل الطوفاني دون إدراك أن هذا الجيل من المرابطين يتغذى على رمزية الإيمان بالحق وبالعدالة، وبالوجود الحضاري الفلسطيني المتجذر. هذه الرمزية تنعكس في صور “المقاوم المبتهج” و”المقاوم الساجد” و”المقاوم الحافي”، و”المقاوم الأنيق” – كلها أنماط من الحضور الروحي للمقاوم الطوفاني والشجاعة النادرة والخبرة الإنسانية في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية الصلبة.
من أبرز المشاهد التي تهزّ يقين العدو وتعجز عن تفسيرها مراكز التحليل هي تلك التي يتقدم فيها “المقاوم المشتبك” حاملاً عبوة “شواظ”، ويتسلل بثقة نادرة إلى مرمى دبابة ميركافا مدججة بالرادارات والكاميرات والاستشعارات، ليزرع عبوة في مكان قاتل، أو يتسلق الدبابة الخارقة بكل شموخ ويرمي العبوة من الباب العلوي، ثم ينسحب في هدوء وثبات. هذا المشهد لا يشكل صدمة للعدو، وإنما هزة نفسية ومعنوية، تُحول الدبابة إلى مجرد “فريسة” عاجزة أمام جسد بشري صغير يستند إلى إرادة أكبر من المنطق المادي بكثير.

إن ما لا تفهمه إسرائيل، ولا يدركه حتى بعض حلفائها الغربيين وبعض الباحثين العرب المنبهرين بالنموذج المادي، أن هذه المقاومة لا تقاتل من أجل النصر فقط، بل تقاتل في سبيل الحق ونصرة المظلوم وإعلاء صوته وفضح الظلم والاحتلال. وهذه عناصر لا يمكن قياسها بعدد الصواريخ، ولا بمخزون الغذاء، ولا بمدى السيطرة على الأجواء.
هذه الأمثلة والنماذج تؤكد أن المعركة ليست فقط على الأرض، بل في مستوى الرمز والوعي والسردية، وأن أي تحليل سياسي أو استراتيجي لا يُدخل البعد الإيماني الرمزي الحضاري في الحسبان، سيبقى تحليلاً قاصرًا، مشوهًا، وساذجًا.
الظاهرة الطوفانية ليست مجرد حالة استثنائية، بل هي إعادة تعريف لفعل المقاومة نفسه، وتدشين لمرحلة جديدة من المواجهة تتجاوز السلاح، إلى “السرد المقاوم، والصورة المقاومة، والنموذج الإنساني الملهم”.
وسيظل النموذج المادي عاجزا عن تفسير الظاهرة الطوفانية وتحليل أبعادها الإنسانية والدينية والرمزية، وقاصر عن إدراك أثرها في تدبير الأحداث وإدارة المعركة، فبالأحرى تقويم تأثيرها النفسي والسياسي والاستراتيجي على المشروع الصهيوني.